فصل: تفسير الآية رقم (99):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (98):

{إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)}
{إِنَّمَا إلهكم الله} استئناف مسوق لتحقيق الحق إثر إبطال الباطل بتلوين الخطاب وتوجيهه إلى الكل أي إنما معبودكم المستحق للعبادة هو الله عز وجل: {الذى لا إله إِلاَّ هُوَ} وحده من غير أن يشاركه شيء من الأشياء بوجه من الوجوه التي من جملتها أحكام الألوهية. وقرأ طلحة {الله إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العرش} {وَسِعَ كُلَّ شَيْء عِلْمًا} أي وسع علمه كل ما من شأنه أن يعلم فالشيء هنا شامل للموجود المعدوم وانتصب {عِلْمًا} على التمييز المحول عن الفاعل، والجملة بدل من الصلة كأنه قيل: إنما إلهكم الذي وسع كل شيء علمًا لا غيره كائنًا ما كان فيدخل فيه العجل الذي هو مثل في الغباوة دخولًا أوليًا.
وقرأ مجاهد. وقتادة {واسع} بفتح السين مشددة فيكون انتصاب {عِلْمًا} على أنه مفعول ثان، ولما كان في القراءة الأولى فاعلًا معنى صح نقله بالتعدية إلى المفعولية كما تقول في خاف زيد عمرًا: خوفت زيدًا عمرًا أي جعلت زيدًا يخاف عمرًا فيكون المعنى هنا على هذا جعل علمه يسع كل شيء، لكن أنت تعلم أن الكلام ليس على ظاهره لأن علمه سبحانه غير مجعول ولا ينبغي أن يتوهم أن اقتضاء الذات له على تقدير الزيادة جعلًا وبهذا تم حديث موسى عليه السلام، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (99):

{كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99)}
{كذلك نَقُصُّ عَلَيْكَ} كلام مستأنف خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم بطريق الوعد الجميل بتنزيل أمثال ما مر من أنباء الأمم السالفة والجار والمجرور في موضع الصفة لمصدر مقدر أو الكاف في محل نصب صفة لذلك المصدر أي نقص عليك {مِنْ أَنْبَاء مَا قَدْ سَبَقَ} من الحوادث الماضية الجارية على الأمم الخالية قصًا كائنًا كذلك القص المار أو قصًا مثل ذلك، والتقديم للقصر المفيد لزيادة التعيين أي كذلك لا ناقصًا عنه، و{مِنْ أَنْبَاء} إما متعلق حذوف هو صفة للمفعول أي نقص عليك نبأ أو بعضًا كائنًا من أنباء.
وجوز أن يكون في حيز النصب على أنه مفعول {نَقُصُّ} باعتبار مضمونه أي نقص بعض أنباء، وتأخيره عن {عَلَيْكَ} لما مر غير مرة من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، ويجوز أن يكون {كذلك نَقُصُّ} مثل قوله تعالى: {كذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] على أن الإشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعد، وقد مر تحقيق ذلك.
وفائدة هذا القص توفير علمه عليه الصلاة والسلام وتكثير معجزاته وتسليته وتذكرة المستبصرين من أمته صلى الله عليه وسلم {وَقَدْ ءاتيناك *مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا} كتابًا منطويًا على هذه الأقاصيص والأخبار حقيقًا بالتذكر والتفكر فيه والاعتبار، و{مِنْ} متعلق بآتيناك، وتنكير ذكرًا للتفخيم، وتأخيره عن الجار والمجرور لما أن مرجع الإفادة في الجملة كون المؤتى من لدنه تعالى ذكرًا عظيمًا وقرآنًا كريمًا جمعًا لكل كمال لا كون ذلك الذكر مؤتى من لدنه عز وجل مع ما فيه من نوع طول بما بعده من الصفة.
وجوز أن يكون الجار والمجرور في موضع الحال من {ذِكْرًا} وليس بذاك، وتفسير الذكر بالقرآن هو الذي ذهب إليه الجمهور؛ وروى عن ابن زيد، وقال مقاتل: أي بيانًا ومآله ومآله ما ذكر، وقال أبو سهل: أي شرفًا وذكرا في الناس، ولا يلائمه قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (100):

{مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100)}
{مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ} إذ الظاهر أن ضمير {عَنْهُ} للذكر، والجملة في موضع الصفة له، ولا يحسن وصف الشرف أو الذكر في الناس بذلك، وقيل: الضمير لله تعالى على سبيل الالتفات وهو خلاف الظاهر جدًا، و{مِنْ} إما شرطية أو موصولة أي من أعرض عن الذكر العظيم الشأن المستتبع لسعادة الدارين ولم يؤمن به {فَإِنَّهُ} أي المعرض عنه {يَحْمِلُ يَوْمَ القيامة وِزْرًا} أي عقوبة ثقيلة على إعراضه وسائر ذنوبه.
والوزر في الأصل يطلق على معنيين الحمل الثقيل والإثم، وإطلاقه على العقوبة نظرًا إلى المعنى الأول على سبيل الاستعارة المصرحة حيث شبهت العقوبة بالحمل الثقيل. ثم استعير لها بقرينة ذكر يوم القيامة، ونظرًا إلى المعنى الثاني على سبيل المجاز المرسل من حيث أن العقوبة جزاء الاثم فهي لازمة له أو مسببة، والأول هو الأنسب بقوله تعالى: فيما بعد {وَسَاء} [طه: 101] إلخ لأنه ترشيح له، ويؤيده قوله تعالى في آية أخرى {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} [العنكبوت: 13] وتفسير الوزر بالإثم وحمل الكلام على حذف المضاف أي عقوبة أو جزاء إثم ليس بذاك. وقرأت فرقة منهم داود بن رفيع {يَحْمِلُ} مشدد الميم مبنيًا للمفعول لأنه يكلف ذلك لا أنه يحمله طوعًا ويكون {وِزْرًا} على هذا مفعولًا ثانيًا.

.تفسير الآية رقم (101):

{خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101)}
{خالدين فِيهِ} أي في الوزر المراد منه العقوبة.
وجوز أن يكون الضمير لمصدر {يَحْمِلُ} [طه: 100] ونصب {خالدين} على الحال من المستكن في {يَحْمِلُ} [طه: 100] والجمع بالنظر إلى معنى {مِنْ} لما أن الخلود في النار مما يتحقق حال اجتماع أهلها كما أن الأفراد فيما سبق من الضمائر الثلاثة بالنظر إلى لفظها {وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ القيامة حِمْلًا} إنشاء للذم على أن ساء فعل ذم عنى بئس وهو أحد معنييه المشهورين، وفاعله على هذا هنا مستتر يعود على {حِمْلًا} الواقع تمييز الأعلى وزرًا لأن فاعل بئس لا يكون إلا ضميرًا مبهمًا يفسره التمييز العائد هو إليه وإن تأخر لأنه من خصائص هذا الباب والمخصوص بالذم محذوف والتقدير ساء حملهم حملًا وزرهم، ولام {لَهُمْ} للبيان كما في سقيًا له و{هيت لكَ} [يوسف: 23] وهي متعلقة حذوف كأنه قيل: لمن يقال هذا؟ فقيل: هو يقال لهم وفي شأنهم، وإعادة {يَوْمُ القيامة} لزيادة التقرير وتهويل الأمر، وجوز أن يكون {سَاء} عنى أحزن وهو المعنى الآخر من المعنيين؛ والتقدير على ما قيل وأحزنهم الوزر حال كونه حملًا لهم.
وتعقبه في الكشف بأنه أي فائدة فيه والوزر أدل على الثقل من قيده ثم التقييد بلهم مع الاستغناء عنه وتقديمه الذي لا يطابق المقام وحذف المفعول وبعد هذا كله لا يلائم ما سبق له الكلام ولا مبالغة في الوعيد بذلك بعدما تقدم ثم قال: وكذلك ما قاله العلامة الطيبي من أن المعنى وأحزنهم حمل الوزر على أن {حِمْلًا} تمييز واللام في {لَهُمْ} للبيان لما ذكر من فوان فخامة المعنى، وأن البيان إن كان لاختصاص الحمل بهم ففيه غنية، وإن كان لمحل الأحزان فلا كذلك طريق بيانية، وإن كان على أن هذا الوعيد لهم فليس موقعه قبل يوم القيامة وأن المناسب حينئذ وزرًا ساء لهم حملًا على الوصف لا هكذا معترضًا مؤكدًا انتهى. ولا مجال لتوجيه الاتيان باللام إلى اعتبار التضمين لعدم تحقق فعل مما يلائم الفعل المذكور مناسبًا لها لأنها ظاهرة في الاختصاص النافع والفعل في الحدث الضار، والقول بازديادها كما في {رَدِفَ لَكُم} [النمل: 72] أو الحمل على التهكم تمحل لتصحيح اللفظ من غير داع إليه ويبقى معه أمر فخامة المعنى، والحاصل أن ما ذكر لا يساعده اللفظ ولا المعنى، وجوز أن يكون {سَاء} عنى قبح فقد ذكر استعماله بهذا المعنى وإن كان في كونه معنى حقيقيًا نظر، و{حِمْلًا} تمييزًا و{لَهُمْ} حالًا و{يَوْمُ القيامة} متعلقًا بالظرف أي قبح ذلك الوزر من جهة كونه حملًا لهم في يوم القيامة وفيه ما فيه.

.تفسير الآية رقم (102):

{يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102)}
{يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور} منصوب بإضمار اذكر، وجوز أن يكون ظرف المضمر حذف للإيذان بضيق العبارة عن حصره وبيانه أو بدلًا من {يَوْمُ القيامة} [طه: 101] أو بيانًا له أو ظرفًا لـِ {يتخافتون} [طه: 103]، وقرأ أبو عمرو. وابن محيصن. وحميد {ننفخ} بنون العظمة على إسناد الفعل إلى الآمر به وهو الله سبحانه تعظيمًا للنفخ لأن ما يصدر من العظم عظيم أو للنافخ يجعل فعله نزلة فعله تعالى وهو إنما يقال لمن له مزيد اختصاص وقرب مرتبة، وقيل: إنه يجوز أن يكون لليوم الواقع هو فيه. وقرئ {يَوْمَ يُنفَخُ} بالياء المفتوحة على أن ضميره لله عز وجل أو لإسرافيل عليه السلام وإن لم يجر ذكره لشهرته؛ وقرأ الحسن. وابن عياض في جماعة {فِى الصور} بضم الصاد وفتح الواو جمع صورة كغرفة وغرف، والمراد به الجسم المصور. وأورد أن النفخ يتكرر لقوله تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى} [الزمر: 68] والنفخ في الصورة إحياء والإحياء غي متكرر بعد الموت وما في القبر ليس راد من النفخة الأولى بالاتفاق.
وأجيب بأنه لا نسلم أن كل نفخ إحياء، وبعضهم فسر الصور على القراءة المشهورة بذلك أيضًا، والحق تفسيره بالقرن الذي ينفخ فيه {وَنَحْشُرُ المجرمين يَوْمِئِذٍ} أي يوم إذ ينفخ في الصور، وذكر ذلك صريحًا مع تعين أن الحشر لا يكون إلا يومئذ للتهويل، وقرأ الحسن {يُحْشَرُ} بالياء والبناء للمفعول و{المجرمون} بالرفع على النيابة عن الفاعل، وقرئ أيضًا {يُحْشَرُ} بالياء والبناء للفاعل وهو ضميره عز وجل أي ويحشر الله تعالى المجرمين {زُرْقًا} حال كونهم زرق الأبدان وذلك غاية في التشويه ولا تزرق الأبدان إلا من مكابدة الشدائد وجفوف رطوبتها، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما زرق العيون فهو وصف للشيء بصفة جزئه كما يقال غلام أكحل وأحول والكحل والحول من صفات العين، ولعله مجاز مشهور، وجوز أن يكون حقيقة كرجل أعمى وإنما جعلوا كذلك لأن الزرقة أسوأ ألوان العين وأبغضها إلى العرب فإن الروم الذين كانوا أشد أعدائهم عداوة زرق، ولذلك قالوا في وصف العدو أسود الكبد أصهب السبال أزرق العين، وقال الشاعر:
وما كنت أخشى أن تكون وفاته ** بكفي سبنتي أزرق العين مطرق

وكانوا يهجون بالزرقة كما في قوله:
لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبر ** الأكل ضبي من اللؤم أزرق

وسئل ابن عباس عن الجمع بين {زُرْقًا} على ما روى عنه و{عميا} [الإسراء: 97] في آية أخرى فقال: ليوم القيامة حالات فحالة يكونون فيها عميًا وحالة يكونون فيها زرقًا. وعن افراء المراد من {زُرْقًا} عميًا لأن العين إذا ذهب نورها أزرق ناظرها، ووجه الجمع عليه ظاهر، وعن الإهري المراد عطاشًا لأن العطش الشديد يغير سواد العين فيجعله كالأزرق، وقيل: يجعله أبيض، وجاء الأزرق عنى الأبيض ومنه سنان أزرق، وقوله:
فلما وردنا الماء زرقًا جمامه

ويلائم تفسيره بعطاشا قوله تعالى على ما سمعت {نَسُوقُ المجرمين إلى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مريم: 86].

.تفسير الآية رقم (103):

{يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103)}
{يتخافتون بَيْنَهُمْ} أي يخفضون أصواتهم ويخفونها لشدة هول المطلع، والجملة استئناف لبيان ما يأتون وما يذرون حينئذ أو حال أخرى من {المجرمين} [طه: 102]، وقوله تعالى: {إِن لَّبِثْتُمْ} بتقدير قول وقع حالًا من ضمير {يتخافتون} أي قائلين ما لبثتم في القبور {إِلاَّ عَشْرًا} أي عشر ليال أو عشرة أيام، ولعله أوفق بقول الأمثل.
والمذكر إذا حذف وأبقى عدده قد لا يؤتى بالتاء حكى الكسائي صمنًا من الشهر خمسًا، ومنه ما جاء في الحديث {ثُمَّ أَتَّبِعْهُ} فإن المراد ستة أيام، وحسن الحذف هنا كون ذلك فاصلة، ومرادهم من هذا القول استقصار المدة وسرعة انقضائها والتنديم على ما كانوا يزعمون حيث تبين الأمر على خلاف ما كانوا عليه من إنكار البعث وعده من قبيل المحالات كأنهم قالوا: قد بعثتم وما لبثتم في القبر إلا مدة يسيرة وقد كنتم تزعمون أنكم لن تقوموا منه أبدًا، وعن قتادة أنهم عنوا لبثهم في الدنيا وقالوا ذلك استقصارًا لمدة لبثهم فيها لزوالها ولاستطالتهم مدة الآخرة أو لتأسفهم عليها لما عاينوا الشدائد وأيقنوا أنهم استحقوها على إضاعة الأيام في قضاء الأوطار واتباع الشهوات، وتعقب بأنهم في شغل شاغل عن تذكر ذلك فالأوفق بحالهم ما تقدم، وبأن قوله تعالى: {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كتاب الله إلى يَوْمِ البعث} [الروم: 56] صريح في أنه اللبث في القبور وفيه بحث.
وفي مجمع البيان عن ابن عباس. وقتادة أنهم عنوا لبثهم بين النفختين يلبثون أربعين سنة مرفوعًا عنهم العذاب {نَّحْنُ أَعْلَمُ بما يَقُولُونَ} أي بالذي يقولونه وهو مدة لبثهم.